من نحن | اتصل بنا | الخميس 26 يونيو 2025 12:28 صباحاً

الأخبار

حكايات من قلب المقاومة (13): أم في المعبر

- متابعات : الخميس 24 مارس 2016 04:32 مساءً

- أحمد عثمان

ذات يوم خرجت (لول) مع الناس بنية المرور من المعبر.. وهي امرأة في الثلاثينات من عمرها، ولديها أطفال وتحتاج إلى حاجات ضرورية طماطم، بطاطا، أرز، بر.
لا نقود كافية لديها لكنها ستأخذ ما يكفي من البطاطا والطماطم والخضروات لبضعة أيام، أما الأرز والبر، وهذا المهم، فقد حول لها أحد الجيران بقطمة من كل نوع إلى محل المواد الغذائية الذي يملكه، والواقع خارج مربع الحصار.
تجمع الناس حول المعبر.. ممنوع المرور.. كل يوم كان يجري التفتيش والإهانات والتأخير، ثم يسمح للبعض بالمرور، هذا اليوم كان ممنوعاً.
مر الوقت (ولول) مصرة على المرور، والعودة إلى أطفالها الصغار، فلا يوجد غيرها يهتم بأمرهم بعد أن فقدت أباهم جراء قذيفة مدفع سقطت على عربية البطاط الخاصة به في الشارع العام بمدينة تعز بداية اقتحام المدينة؛ حينها تمزق جسده أشلاء ومعه طفلة وأمها وقفت تشتري منه البطاط.
تتحدث (لول) مع نفسها بصوت عالي: كيف ارجع بدون غداء؟ مو أقول لعيالي؟ والله ما أرجع إلا بغداء لعيالي وإلا ميت.. وربي شتولى أمرهم وأمر الظالم.
البعض عادوا والآخرون انتظروا بعيداً، لكن (لول) كانت مصرة على المرور تحاورهم.. تترجى تتوسل، وتلح.. وأخيرا مرت وكأنها حققت معجزة.
لم تغب سوى ساعة أو أقل لتعود محملة بالبطاط والطماطم و(قطمة) أرز و(قطمة) بر، كانت منتشية وسعيدة وكأنها حصلت على الدنيا من أطرافها.. تستعجل الخطى إلى صغارها (هديل) و(محمد) و(جميل).
اقتربت من نقطة المعبر، وقبل تجاوز النقطة سقطت على الأرض؛ تدحرج ما تحمله، وسالت دماء (لول) في الشارع، فقد قنصها من سمح لها بالمرور والعودة.. هكذا يتسلون بالإنسان ويستخدمونه كـ(نصع).
عندما سقطت (لول) مضرجة بدمائها شوهدت وهي تحاول لملمة حاجاتها المبعثرة دون جدوى!
الأكثر وحشية أنهم منعوا إسعافها وعندما اتجه شخصان لإسعافها ضرب عليهم الرصاص وجرح أحدهم.. كان المشهد موحشاً وحزينا.. فإصابة (لول) ليست خطيرة؛ لكنها تنزف، وكلما اقترب أحدهم منها ضرب عليه نار.. لقد حكم على (لول) بالموت هكذا بالمزاج، وهذه قيمة الإنسان عند هؤلاء المتوحشين!
وبعد ثلاث ساعات تقريباً، سمح بالاقتراب منها، اسعفت إلى المستشفى، حاول الحاج (عبد الغني) أن يعرف اسمها وعنوان بيتها، ليتواصل مع اسرتها، لكنها كانت في الرمق الاخير ولم يسمع منها سوى كلمات متقطعة: ياربي.. بدون غداء.. أمانتكم (عيالي).
عندما وصلت المستشفى كانت جثة هامدة، وكان قلب الحاج (عبد الغني) يتقطع من وجع الحزن وصوتها يرن في اذنه: (يا ربي.. بدون غداء.. امانتكم عيالي)..
وبدلا من عودة (لول) إلى صغارها عادت جثة إلى ثلاجة الموتى!!
هي قصص مكررة ومألوفة، القنص عمل يومي، ملازما للحصار، أحيانا يقنص أي متحرك؛ شيخ.. امرأة.. طفل.. رجل.. بقرة.. قط.. كلب، عبث بالأرواح بشكل لم يجرِ حتى في أشد العصور تخلفا وهمجية.
في الجانب الآخر (هديل) سبع سنوات، وأخواها (محمد) خمس سنوات، وجميل ( ثلاث) سنوات ينتظرون أمهم التي خرجت صباحا ولم تعد..
الساعة الخامسة عصرا.. أخرج الجوع والقلق (هديل) وأخويها إلى باب البيت ينتظرون أمهم، كأفراخ مفزوعة من المجهول..
مر عليهم جارهم (حمود)، ورآهم خائفين.. (هديل) تحملق نحو الطريق كأنها تنتظر قادم طال انتظاره:
ـ مو تعملي يا (هديل) أنت واخوانك؟
ـ نشارح أمي ما روحاش.
ـ وينه؟
ـ سرحه تندي لنا غداء.
ـ متى خرجت؟
ـ الصبح.
ينظر حمود إلى ساعته.. الساعة الخامسة عصرا:
- عجيبة وعادكم ما تغديتوش!
ـ لا. نشارح أمي تعمل لنا غداء.
(حمود) وقد بدأ يقلق.. أحس بأن أمرا ما حدث.. فلا يمكن للأم (لول) الحريصة على أن لا تتأخر كل هذا الوقت بدون سبب، فحاول أخذهم إلى بيته..
ـ هيا هيا يا (هديل) أنت وإخوانك معي البيت نتغدي لما ترجع أمك.
ـ لا. شنشارح أمي.
ـ أنتم جياع؟
ـ أيوه.
ـ طيب تعالوا نتغدى وشترجعوا يالله يا أبطال.
ـ لا .. شنشارح أمي.. أمي (شتغاري).. أمي شترجع الآن..
وعادت (هديل) تحملق في الطريق، تمط عنقها تستمطر طيف أمها، ولا تدري المسكينة أن أمها خرجت ولن تعود!


*يمن مونيتور

 

.

 
المزيد في الأخبار
تنفيذاً لقرارات مجلس الوزراء بتصحيح الاختلالات في المنافذ البرية والبحرية والجوية، وإستكمالا للجهود التي يقودها وزير النقل للنهوض بأوضاع الهيئات والمؤسسات
المزيد ...
    نفذ فريق اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، نزولاً ميدانياً إلى مديرية بيحان بمحافظة شبوة، في إطار برنامج زياراتها
المزيد ...
    عدن | عادل حمران    سيبقى اسم الأستاذ عبدالرقيب العمري حاضرًا بقوة في أذهان موظفي مطار عدن لسنوات قادمة، بشهادة الجميع، كان العمري إداريًا محنكًا يتمتع
المزيد ...
    تم توزيع ٣٥٠ سلة غذائية على الأطفال الأيتام الذين يعانون من نقص التغذية، وفق رئيس فرع الجمعية في اليمن إبراهيم عبيد    شكري حسين/ الأناضول   وزعت
المزيد ...
 
 
أختيار المحرر
أحمد سويد ينحت معالم المكلا ليصبح هو من معالمها!
من التهام الطعام بسرعة إلى الإضافات الضارّة بالقهوة.. خبراء: 6 عادات صباحية تمنع إذابة دهون البطن
"جوجل" تحذّر: الذكاء الاصطناعي يمكنه "تدمير البشرية" في هذا التوقيت
العلماء يلقبونه بـ "قاتل المدن".. كويكب قد يصطدم بالقمر في هذا الموعد
آخر الأخبار
الأكثر قراءة
مقالات
لا قيمة للقرارات ما لم نلمسها ونشعر بها في واقع الحياة.  الشعب يدرك حجم التحديات والصعوبات التي تواجهها
    تدرك رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء حجم المعاناة اليومية التي يعيشها المواطن مع الأزمات الخانقة في
!   أ.د مهدي دبان    منذ سنوات طويلة، يتردد على مسامعنا حديث التسويات لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات.
  لحجٍ مبرورٍ لكل حاجٍ يمني؛ تبذل الجهود وتتعاضد وتتشابك، خدمة للحاج وإسعاده، وتذليل كل صعوبة، ليكون في
    الكلمة التي اشتقت لها كثيرا، وكنت أرددها في كل الأوقات، صباحا و مساء، دون ملل أو كلل... كلمة لم تكن مجرد
اتبعنا على فيسبوك
جميع الحقوق محفوظة لـ [أنباء عدن-إخباري مستقل] © 2011 - 2025