مدارس الطين وأحلام المستقبل
أنباء عدن الخميس 04 سبتمبر 2025 09:39 صباحاً

أ.د مهدي دبان
طلاب يقطعون المسافات الطويلة، يتحملون العناء والجوع والعطش طوال النهار. مدارس متواضعة مشيّدة من أحجار السواقي أو الصفيح، وملخطة بالطين قبل أن يُعرف الإسمنت. قرى متناثرة يتجمع أبناؤها مع إشراقة الصباح ليحلقوا بالسيارة الوحيدة التي تصلهم إلى المدرسة، تحملهم كما تحمل ذكريات طفولة صادقة بتفاصيلها. هناك، يقفون بكل نشاط لتحية العلم قبل أن يُخترع النشيد الوطني وترديده، في مشهد يفيض بالبراءة والعزيمة.
يدخلون صفوفهم وكأنهم المسطرة في استقامتها، يقبلون على التعليم بصدور رحبة وأنفس منشرحة. يتنافسون في جمال الخط والرسم، في الذكاء والدرجات، وفي الإبداعات اللاصفية والنشاطات المختلفة. كل واحد منهم يحمل في قلبه شغفا بالمعرفة، وإصرارا على أن يكون الأفضل رغم قسوة الظروف وبساطة الوسائل. لم تكن الحياة سهلة، لكن الرغبة في التعلم كانت أقوى من كل تعب وجوع وبعد مسافة.
وحين يعودون إلى بيوتهم مع غروب الشمس، يخطون بخطوات مثقلة بالإنهاك لكن مفعمة بالسعادة. ينامون على أحلام صغيرة تحمل أحلاماً أكبر، يتصورون بها مستقبلاً قادراً على تغيير أوضاعهم وأوضاع بلدهم المنهك. كانت تلك الحقبة، رغم فقرها وتحدياتها، هي الأجمل والأصدق، لأنها صنعت جيلاً مؤمناً بأن النور يولد من رحم المعاناة، وأن العلم وحده هو الطريق إلى غد أفضل.
.