من نحن | اتصل بنا | الجمعة 15 أغسطس 2025 08:25 مساءً

الأخبار

كريتر.. المدينة التي تسكنك قبل أن تسكنها

أنباء عدن: الثلاثاء 22 أبريل 2025 09:32 مساءً
 
أ.د مهدي دبان 
 
كريتر... مدينة لا تشبه إلا نفسها، ليس لها مثيل، فريدة بتشكيلها، رائعة بخليطها المتجانس من ألوان زاهية وملامح مختلفة. ثقافات متعددة استوطنتها، تعايشت فيها، وتحولت بين أحيائها وحواريها إلى رواية ساحرة، لا يشعر بلذة العيش فيها إلا من سكنها وسكنته، من انصهر في نسيجها وأزقتها الضيقة، واختلط بروحها النابضة بالحياة.
 
كريتر... المدينة التي احتضنت المساجد والكنائس والمعابد، والجنسيات المختلفة، حتى باتت قلوب ساكنيها لا تقوى على مغادرتها. ولحسن حظي، أنني سكنتها صبياً صغيراً قادماً من الريف، أحمل في جوفي وعقلي أحلاماً كبيرة، ساقني القدر إلى هذه المدينة المغلقة جغرافياً كعلبة سردين، لكنها أوسع من الكون بآفاقها وعالمها ومعالمها وتاريخها.
 
تجول الفتى الريفي البسيط في أزقتها وشوارعها من الطويل إلى الزعفران إلى الملكة أروى، وعانق كل معالمها التاريخية كصيرة القلعة وصهاريج الطويلة. ذاب شوقاً في أسواقها كسوق الاتحاد، البز، الحدادين، والبهرة وغيرها . وقع في غرام شواطئها كحقات، وأبو وادي، حيث تتعانق الطبيعة والروح معا...
 
تعلمت في مدارسها الثرية بالعطاء كخالد هندي والبادري والمدراسي على أيدي معلمين إجلاء كخليل العيناعي، وحسن يوسف خان، منيرة مرتع، سعيد الرديني، سليمان باقعر ومحمود مدي  وغيرهم ممن تأثرنا بأخلاقهم قبل علمهم، وبعطائهم قبل دروسهم.
 
كريتر... مدينة حالمة حالفة بالجمال، حيثما تولي وجهك ترى التاريخ ناطقاً، حاضراً، حياً. 
مساجدها كأبان، والعسقلاني، والعيدروس، والشنقيطي، والشيخ عبدالله، تصدح بأصوات التوحيد والإيمان منذ قرون دون غلو أو تفريط، في توازن فريد يُشبه المدينة نفسها.
 
وفي قلبها اللحن الجميل والكلمة المؤثرة تنسج لتصير أغنية خالدة في رحاب معهد الفنون الجميلة، عبر عمالقة الفن الذين عاشوا بيننا حتى بعد رحيلهم: محمد سعد، أحمد قاسم، الزيدي، المرشدي، خليل محمد خليل، السكاريب، وشكيب جمن وغيرهم ...
 
وكانت السينمات المنتشرة بين أحيائها، من هريكن، وأروى، والأهلية، وبلقيس، تصنع وعينا وتفتح أبوابنا نحو العالم، تنير عقولنا وتنقلنا إلى آفاق بعيدة. وبعد انتهاء العرض، كنا نهرع إلى مطعم هاشم لنتذوق وجبة البيض والروتي والسلطة وشراب الكندا... يا إلهي! ما أجملها من لحظات، بسيطة وعميقة في آنٍ واحد.
 
أما ملعب "المجمع البلدي" (الحبيشي لاحقاً)، فكان أشبه بمسرح روماني قديم، يشهد المنافسات الحامية، وفنون كرة القدم الراقية، والنقاشات الساخنة التي لا تقل حرارة عن مدرجاته الإسمنتية في عز الصيف. كان ميداناً للأبطال، منارة لجيل ذهبي سُطر في صفحات التاريخ، جيل لا هدف له إلا إسعاد الناس، في مجتمع يقبل بالتنوع ويحتفي به.
 
أن ترمي بنفسك في أحضان سواحل صيرة وخليج "معجلين"، أن تشم هواء الجمال الرباني والنسيم الإلهي العليل، وتنظر إلى الأفق لترى أحلامك تتحقق على صفحة البحر، وترقب الصيادين يرمون شباكهم في بحر الخير والحب، ثم تعود لتتعشى على ألحان الصيادين العائدين إلى مرافئهم، مرددين: "على الله، هيا لي الله، على الله... باربان قود السفينة إلى بر الأمان... لا تبالي بارتفاع الموج والطوفان".
 
كريتر... ما أجملك، وما أجمل لياليك وأيامك في زمنٍ يبدو وكأنه حلم مر وانقضى.
باختصار: كريتر هي عدن.
 

.

 
المزيد في الأخبار
    عدن – محمد القادري   اطلع مدير عام مديرية المنصورة بعدن، أحمد علي الداؤودي، على المساحة المخصصة لإنشاء مركز سوء التغذية للأطفال في بلوك (10)، الممول من
المزيد ...
لطالما ارتبطت عدن، المدينة الساحلية العريقة، بعاداتها الأصيلة التي حملت معها عبق التاريخ وأصالة المكان, ومن بين هذه العادات ما يتعلق بالمشروب الأكثر ارتباطاً
المزيد ...
  استقبل مطار عدن الدولي، اليوم، طائرة جديدة انضمت رسميًا إلى أسطول شركة طيران اليمنية، في إطار خطط الشركة لتحديث أسطولها وتحسين خدماتها الجوية.   وقالت إدارة
المزيد ...
 عن صفحة عبدالرحمن أنيس   تمكنت الأجهزة الأمنية في العاصمة عدن، أمس، من إلقاء القبض على مسلح احتجز زوجته داخل منزله في مديرية المنصورة، مهددًا بتفجيرها بواسطة
المزيد ...
 
 
أختيار المحرر
بودابست - انطباعات زائر الحلقه الاولى
بانوراما الأداء الجنسي للرجال.. أسباب تراجعه وكيفية الحفاظ عليه
أحمد سويد ينحت معالم المكلا ليصبح هو من معالمها!
من التهام الطعام بسرعة إلى الإضافات الضارّة بالقهوة.. خبراء: 6 عادات صباحية تمنع إذابة دهون البطن
آخر الأخبار
الأكثر قراءة
مقالات
    المتابع والمتأمل الجيد للمشهد الاقتصادي في عدن والمناطق المحررة يدرك أن الأوضاع التي نشكر عليها
    في البداية تخوف الجميع من أي ارتداد قد يحدث في سعر صرف العملة المحلية، في ظل عدم نشر خطة إصلاحات
    هنا.. وليس في أي مكان آخر، الأمر مختلف تماما. دول كثيرة، سبقتنا بآلاف السنين الضوئية، لم تصل إلى ما هي
    عشر سنوات من الحرمان، من الذل، من العوز.. شعب مغلوب على أمره، تضور جوعا، وعانى الأمرين. تمت مصادرة حقه
    ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في سعر صرف الريال اليمني أمر محير للغاية، ومخالف لجميع ابجديات
اتبعنا على فيسبوك
جميع الحقوق محفوظة لـ [أنباء عدن-إخباري مستقل] © 2011 - 2025