الخميس 13 نوفمبر 2025 07:00 مساءً
الأستاذ عقيل… عقلٌ يمشي على الأرض
لم يكن الأستاذ عقيل مجرد مدير مدرسة أو قائداً إدارياً، بل كان نموذجاً للعقل والحكمة والإنسانية مجتمعة في انسان واحد. اسمه يشبه صفاته، بل هو تجسيد لها؛ عقل يعقل الأمور بحنكة وتدبير، ورحمة تتجلى في تعامله مع زملائه وطلابه. جمع في شخصه الهيبة والحنان، فاستحق أن يُحب و يُحترم في آن واحد، وهو أمر قلما يجتمع في أحد.
تبدأ القصة عندما تخرجت من الثانوية العامة، وكان لزاماً علينا أداء الخدمة الإلزامية. تم توزيعي إلى ثانوية الجلاء في خور مكسر، لكن الحنين شدني إلى مسقط رأسي أمصرة، حيث يقيم والداي. قصدت إدارة التربية والتعليم طالباً التحويل إلى أبين، فتعجب الموظف قائلاً: "الجميع يريد عدن وأنت تريد أبين!"، ومع ذلك تم التحويل، حتى وصلت إلى مكتب التربية في مديرية لودر. وهناك ساقني القدر إلى مدرسة القوز، حيث التقيت الأستاذ عقيل، الذي قال لي بابتسامته الهادئة: "ما رأيك أن تنضم إلينا؟ نحن قريبون من أمصرة، وسأذهب بك ومعي المعلمون كل صباح ونعود معاً ظهراً" لم أتردد، ولم يدر في خلدي أن هذا القرار سيخلد في ذاكرتي أروع عام في حياتي.
قضيت عاماً كاملاً في قرية القوز بين أناس كرماء إلى حد البذخ، يحملون من الحنان والعاطفة ما يفيض سعادة على من حولهم. كنت قريباً من طلابي، أشاركهم اللعب والدرس، وكان الأستاذ عقيل يناديني بـ"الأستاذ الصغير"، وكأنه أراد أن يغرس في الثقة والحب للمهنة منذ البدايات. سنة واحدة كانت كافية لأتعلم منه الكثير عن القيادة والإنسانية قبل أن أتعلم عن التعليم نفسه. سيبقى الأستاذ عقيل في وجداني مثالاً للمعلم الحقيقي، والعقل الذي تتمنى حضوره في كل مرفق ومؤسسة، فهو لم يكن مجرد شخص مر في حياتي، بل بصمة خالدة من أثر جميل لا يُمحى.

فيسبوك
تويتر
تيليجرام
يوتيوب
تغذية RSS