الثلاثاء 27 مايو 2025 10:14 مساءً
بلقيس والملوك... عبرة للأمم وموعظة للأجيال
وقوع البشر في الأخطاء أمر وارد جداً، بل هو سُنة من سنن الحياة. كلنا نُخطئ، ولكن العاقل من يتعظ. تجارب البشر وقصص التاريخ ما وجدت عبثاً، بل هي كنوز من العبر، صفحات مليئة بالدروس، علينا أن نقرأها بقلوب واعية، ونستخلص منها ما يُجنبنا الوقوع في نفس الحفر التي سقط فيها من قبلنا، خاصة إذا كانت تلك الأخطاء تتعلق بمستقبل الشعوب، وقرارات مصيرية تمس حاضرهم وغدهم.
فما بالك يا خوي، لو جاء التحذير والموعظة من خالق الناس، جل في علاه؟!
ألا يكون واجب علينا أن نصغي ونُبصر؟!
لقد قص علينا ربنا – سبحانه وتعالى – وعلى نبيه الكريم، الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، أحسن القصص، وأجملها، وأكملها، لا تسلية ولا حكايات، بل مواعظ وآيات، تهدي العقول وتنير البصائر، لتجنيب الناس الوقوع فيما وقع فيه من سبقوهم، من ظلم، وفساد، وغرور، واستبداد.
ومن تلك القصص الخالدة، التي تسكن القلوب وتوقظ الأرواح، قصة بلقيس، ملكة سبأ.
حين جاءها رسول النبي سليمان عليه السلام، برسالة ربانية، يخيرها بين أمرين: إما الإسلام، أو الاستعداد للقتال. لم تتسرع، ولم تتخذ القرار وحدها، بل استشارت مجلسها. وبعد تفكر وتبصر، اختارت النور، فأسلمت هي وقومها، وقالت جملتها الشهيرة التي خُلدت في الذكر الحكيم:
"إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون"
[سورة النمل: 34]
تلك الآية ليست مجرد وصف لمشهد مضى، بل هي تحذير يُكتب بماء الذهب، وينقش على جدران الدول، ويُروى للأجيال: جدتنا بلقيس حذرتنا...احذروا، احذروا كل الحذر من دخول الملوك إلى الأراضي... فدخولهم لا يكون هيناً، بل محملاً بالفساد، و محملاً بالإذلال.
جدتنا بلقيس لم تكن فقط ملكة، بل كانت حكيمة، أدركت الحقيقة قبل فوات الأوان، فأنقذت شعبها، وكتبت اسمها في صفحات الخلود.
فما بالك إذا كنت أنت من ذهب لتحضرهم؟!
ولم تسمع النصيحة؟
ماذا ستكون النتيجة؟
لقد نثروا المال، ونشروا السلاح، وأسالوا لعاب الطامعين، وحرفوا المسار، والنتيجة؟
إذلال، وفساد، وتمزيق للهوية، والعزيز صار مهاناً!
القرآن الكريم، دستور المؤمن، ليس فيه حرف عبث. كل قصة، كل آية، هي عظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فمن فقه وفهم، نجى...
ومن غفل، اسودّت صحيفته، وظل الطريق...
فلنتعظ... فالقرآن بين أيدينا، و الجدة بلقيس ما زالت تُحذرنا.